تحذيرات حقوقية من توسع الرقابة الرقمية على الأطفال في المملكة المتحدة
تحذيرات حقوقية من توسع الرقابة الرقمية على الأطفال في المملكة المتحدة
كشف تحقيق حقوقي جديد عن توسع غير مسبوق في استخدام تقنية التعرّف الحي على الوجه داخل المملكة المتحدة، بعدما تبين أن قوات الشرطة أدرجت أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً على قوائم المراقبة المرتبطة بهذه الأنظمة، ويأتي الكشف ليؤجج نقاشاً وطنياً واسعاً حول مستقبل الخصوصية في البلاد، خصوصاً مع تنامي الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي دون وجود ضوابط واضحة.
وأظهر التحقيق الذي أجرته منظمة ليبرتي الحقوقية رصد أكثر من 1600 ظهور لقاصرين ضمن بيانات ست قوات شرطة تستخدم التقنية بشكل منتظم، في حين امتنعت ثلاث قوات أخرى عن تقديم بيانات مكتملة، ما يرجح أن الأرقام أكبر بكثير مما ظهر.
وحسب المعلومات المنشورة في صحيفة التليغراف البريطانية اليوم الاثنين، فإن الحكومة البريطانية تستعد لإطلاق مشاورات واسعة تهدف لإقرار إطار قانوني يسمح للاستخدام الدائم للتقنية من قبل 43 قوة شرطة في إنجلترا وويلز إضافة إلى شرطة النقل، سواء عبر كاميرات ثابتة أو متنقلة.
قلق أممي وحقوقي
أثار الكشف موجة ردود فعل واسعة. فقد عبّرت مفوضة شؤون الأطفال في إنجلترا راشيل دي سوزا عن قلق عميق من إدراج الأطفال على قوائم المراقبة، مؤكدة أن هذا الإجراء يطرح أسئلة أساسية حول مدى ضرورته وكيفية تطبيقه.
وقالت إن الظروف الحالية تستوجب مراجعة عاجلة لآليات استخدام التقنية وما قد تسببه من تأثيرات دائمة على خصوصية الأطفال وسلامتهم.
كما شدد النائب المحافظ السابق ديفيد ديفيس على الحاجة الملحة لإصدار تشريعات واضحة تنظم استخدام التعرّف على الوجه بما يمنع وقوع تجاوزات قد تؤثر في الحقوق المدنية، في بريطانيا.
ووصف النائب العمالي كلايف لويس الوضع الراهن بأنه يشبه حالة غرب متوحش تنظيمي، في إشارة إلى غياب الضوابط الكافية التي يمكن أن تمنع بناء منظومة مراقبة قد تُستغل بشكل استبدادي، وهو ما بات يشكل هاجساً لدى قطاع واسع من الحقوقيين.
أرقام وغياب للشفافية
ورغم أن شرطة العاصمة رفضت تقديم العدد الإجمالي للقاصرين المدرجين في قوائمها، فإن البيانات المتاحة تشير إلى أن متوسط عدد الأطفال في كل عملية نشر للتقنية بلغ 105 قاصرين خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يعني أن العدد الإجمالي قد يكون بالآلاف.
وأكدت الشرطة أن نسبة الأطفال تقل عن واحد في المئة من إجمالي الأسماء، وأن إدراج أي قاصر يتطلب موافقة مسؤول مختص.
في جنوب ويلز، تم إدراج 632 طفلاً منذ عام 2022، بينهم ستة أطفال دون 13 عاماً، رغم تحذيرات مهنية متكررة من أن التقنية أقل دقة في هذه الفئة العمرية وقد تؤدي إلى إنذارات خاطئة أو اتهامات غير مبررة.
وتظهر بيانات شرطة بيدفوردشير إدراج 22 قاصراً خلال أربع عمليات هذا العام، في حين سجلت شرطة هامبشاير وجزيرة وايت إدراج ثمانية قاصرين في أربع عمليات أخرى. أما شرطة إسكس وساسكس فلم تقدم بيانات، في حين أكدت شرطة سوفولك إدراج أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً.
موقف وزارة الداخلية
أصدرت وزارة الداخلية البريطانية بياناً مقتضباً أكدت فيه أن استخدام تقنية التعرّف على الوجه يجب أن يظل منضبطاً بالقوانين القائمة والالتزامات المرتبطة بحقوق الإنسان والمساواة، مشيرة إلى ضرورة التأكد من أن كل عملية استخدام للتقنية قانونية ومتناسبة وضرورية.
الجدل الدائر لا يتعلق فقط بإدراج الأطفال، بل يتجاوز ذلك إلى الأسئلة الكبرى التي تطرحها التقنية على مستوى الخصوصية والحريات العامة. فالتوسع في نشر شاحنات وكاميرات مجهزة بالتعرّف على الوجه.
كما حدث بإرسال عشر شاحنات إلى سبع قوات شرطة في أغسطس الماضي، يعكس اتجاهاً متسارعاً نحو بنية أمنية رقمية تعتمد أكثر على الذكاء الاصطناعي دون إجماع واضح على حدودها القانونية والأخلاقية.
تقنية التعرّف على الوجه
تستخدم بريطانيا تقنية التعرّف الحي على الوجه منذ أعوام بهدف المساعدة في تتبع المشتبه بهم وتعزيز الأمن في الأماكن العامة، إلا أن هذه التقنية أثارت جدلاً واسعاً بسبب مخاوف تتعلق بالدقة، خصوصاً ما يتعلق منها بالأطفال والأقليات، إذ تشير دراسات جامعية بريطانية إلى أن أنظمة التعرّف على الوجه قد تسجل معدلات خطأ عليا لدى الفئات العمرية الصغيرة ومن لديهم ملامح متغيرة أو غير نمطية.
وقد أصدرت منظمات حقوقية دولية عدة تحذيرات بشأن استخدام التقنية دون تشريعات متخصصة، مؤكدة أن الاعتماد عليها بشكل موسع قد يهدد مبادئ المساواة وعدم التمييز، ويمنح السلطات مجالاً واسعاً للرقابة المفرطة.
كما سبق لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن دعت إلى فرض قيود أشد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمس الحقوق الأساسية، ومنها تقنيات المراقبة.











